ابن قيم الجوزية: ابن تيمية يخبر عما في الغيب واللوح المحفوظ
قال ابن قيم الجوزيَّة في كتابه (مدارج السالكين، ج4، ص 2694-2698، الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع) :
(ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أموراً عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم. ووقائع فراسته تستدعي سفراً ضخماً. أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة، وأن جيوش المسلمين تكسر، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام، وأن كلب الجيش وحدته في الأموال وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة.
ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام: أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يميناً فيقال له: قل إن شاء الله.فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وسمعته يقول ذلك. قال: فلما أكثروا علي. قلت: لا تكثروا. كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام. قال: وأطمعت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو، وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر.
ولما طلب إلى الديار المصرية، وأريد قتله -بعدما أنضجت له القدور وقلبت له الأمور- اجتمع أصحابه لوداعه. وقالوا: قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك. فقال: والله لا يصلون إلى ذلك أبداً. قالوا: أفتحبس؟ قال: نعم، ويطول حبسي ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس. سمعته يقول ذلك. ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك. وقالوا: الآن بلغ مراده منك. فسجد لله شكراً وأطال. فقيل له: ما سبب هذه السجدة؟ فقال: هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن، وقرب زوال أمره. فقيل: متى هذا؟ فقال: لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته. فوقع الأمر مثل ما أخبر به، سمعت ذلك منه.
وقال مرة: يدخل علي أصحابي وغيرهم، فأرى في وجوههم وأعينهم أموراً لا أذكرها لهم. فقلت له – أو غيري – لو أخبرتهم؟ فقال: أتريدون أن أكون معرفاً كمعرف الولاة؟ وقلت له يوماً: لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح. فقال: لا تصبرون معي على ذلك جمعة، أو قال: شهراً. وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه، ولم ينطق به لساني وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل. ولم يعين أوقاتها، وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها، وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته، والله أعلم).