الجمعة، 10 أبريل 2020

وثيقة // هل اتبع أهل السنة والجماعة أهلَ البيت (ع) ونقلوا علومهم؟

إنَّ وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين ظاهرةٌ في لزوم الأخذ عن أهل البيت (عليهم السلام) والعمل بأقوالهم واتخاذهم مرجعاً في كل شيء؛ لأنهم الثقل الثاني بعد القرآن الكريم، فكما لزم الرجوع إلى كتاب الله وأخذ العلمِ منه، لزم كذلك أخذ العلم عن أهل البيت (عليهم السلام) والعمل بما ينصُّون عليه، وقد أقرَّ العديدُ من علماء أهل السنة والجماعة بالتقصير الكبير في الالتزام بأخذ العلم عن أهل البيت (عليهم السلام) وأنَّهم هُجروا وتُركوا ولم يُؤخذ عنهم من العلمِ إلا القليل اليسير، وهذا يفنِّدُ دعوى من يدَّعي أن أهل السنة قد عملوا بوصيَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في اتِّباع الثقلين، وهذا الموضوع ليس لأجل التجريح والنقد الناشئ عن التعصُّب، بل هي دعوة للأعزَّاء الأفاضل من المذهب السني أن يراجعوا أنفسهم بإنصافٍ وعدل، ليبحثوا عن التطبيق الواقعي لوصية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهذه أقوال ثلة من علماء أهل السنة في بيان المقصود:

أولاً: ابن حزم الأندلسي (ت: 456 هـ)

قال في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج4، ص213، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، محمد إبراهيم نصر، الناشر: دار الجيل - بيروت، الطبعة الثانية 1416هـ - 1996م):
(ولم يرد عن علي إلا خمس مائة وست وثمانون حديثاً مسندة يصح منها نحو خمسين وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيد من ثلاثين سنة).

عاش أميرُ المؤمنين (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثين سنة، وعاش بعده ثلاثاً وثلاثين سنة، ولم يصح عنه سوى خمسين حديثاً، أمَّا غيره ممن لم يعش مع رسول الله ربع المدة التي عاشها أمير المؤمنين (عليه السلام) مع النبي الأكرم يُروى عنه بالآلاف كأبي هريرة الدوسيِّ.
عاشَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) بينهم ثلاثاً وستين عاماً فلم ينقلوا عنه سوى خمسين حديثاً .. فليتأمَّل المنصفُ جيِّداً في هذا الهجران الواضح والإعراض والجفاء لتلميذ رسول الله (عليهما السلام)، وليحاكم دعوى الانتماء والاتِّباع لأهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين).


ثانياً: ابن تيمية الحرَّاني (ت:728 هـ)

وله أربعُ كلماتٍ في هذا الجانب، يشير في الأولى إلى أنَّ مدائن الإسلام لم تأخذ علوم الدين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بل أخذت عن غيره وهذا يعني أنَّهم أعرضوا عنه رغم حضوره ولم يتوجهوا إليه لأخذ علم الدين منه. والكلمة الثانية تشير إلى الإعراض عن نقل علم التفسير من طريق أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن المفارقات العجيبة أن تجد كتب التفسير مليئة بأقوال قتادة ومجاهد والسدي ومقاتل وغيرهم من حملة الروايات الإسرائيليَّة، وقليلاً ما تجد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي تعلَّم من منبع القرآن الصافي. وفي الثالثة يُصَرِّحُ بعدم أخذ الفقهاء والمحدثين عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في مسائل الفقه والرواية إلا الشيء القليل جداً، وأنَّ أغلب ما نقله الفقهاء والمحدثون مأخوذ عن غيره، وفي الكلمة الرابعة ينقل ما تقدَّم عن ابن حزم الأندلسي موافقاً له ومتابعاً.

(1) قال في كتابه (منهاج السنة، ج7، ص516):
(ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر، فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير علي، أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ظاهر، وكذلك الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي إلا شيئاً قليلاً، وإنما كان غالب علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلاً عن علي).


(2) قال في كتابه (منهاج السنة، ج8، ص42 - 43):
(وهذا ابن عباس نُقِلَ عنه من التفسير ما شاء الله بالأسانيد الثابتة، ليس في شيء منها ذكر علي. وابن عباس يروي عن غير واحد من الصحابة: يروي عن عمر، وأبي هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، وعن زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأسامة بن زيد، وغير واحد من المهاجرين والأنصار. وروايته عن علي قليلة جداً، ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئاً من حديثه عن علي، وخرجوا حديثه عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة وغيرهم.
وأيضاً فالتفسير أخذ عن غير ابن عباس، أخذ عن ابن مسعود وغيره من الصحابة، الذين لم يأخذوا عن علي شيئاً، وما يُعْرَفُ بأيدي المسلمين تفسير ثابت عنه. وهذه كتب الحديث والتفسير مملوءة بالآثار عن الصحابة والتابعين، والذي فيها عن علي قليل جداً).



(3) قال في كتابه (منهاج السنة، ج7، ص529 - 531):
(قال الرافضي: وفي الفقه الفقهاء يرجعون إليه.
والجواب: أن هذا كذب بين، فليس في الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة الفقهاء من يرجع إليه في فقهه، أما مالك، فإن علمه عن أهل المدينة، وأهل المدينة لا يكادون يأخذون بقول علي، بل أخذوا فقههم عن الفقهاء السبعة عن زيد وعمر وابن عمر، ونحوهم.
أما الشافعي فإنه تفقه أولاً على المكيين أصحاب ابن جريج، كسعيد بن سالم القداح، ومسلم بن خالد الزنجي. وابن جريج أخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس، كعطاء وغيره، وابن عباس كان مجتهداً مستقلاً، وكان إذا أفتى بقول الصحابة أفتى بقول أبي بكر وعمر لا بقول علي، وكان ينكر على علي أشياء.
ثم إن الشافعي أخذ عن مالك، ثم كتب كتب أهل العراق، وأخذ مذاهب أهل الحديث، واختار لنفسه.
وأما أبو حنيفة فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان، وحماد عن إبراهيم وإبراهيم عن علقمة وعلقمة عن ابن مسعود، وقد أخذ أبو حنيفة عن عطاء وغيره.
وأما الإمام أحمد فكان على مذهب أهل الحديث، أخذ عن ابن عيينة، وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن عمر، وأخذ عن هشام بن بشير، وهشام عن أصحاب الحسن وإبراهيم النخعي، وأخذ عن عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح وأمثالهما، وجالس الشافعي، وأخذ عن أبي يوسف، واختار لنفسه قولاً، وكذلك إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد ونحوهم. والأوزاعي والليث أكثر فقههما عن أهل المدينة، وأمثالهم، لا عن الكوفيين.

قال الرافضي: أما المالكية فأخذوا علمهم عنه وعن أولاده.
والجواب: أن هذا كذب ظاهر، فهذا موطأ مالك ليس فيه عنه ولا عن (أحد) أولاده إلا قليل جداً، وجمهور ما فيه عن غيرهم، فيه عن جعفر تسعة أحاديث، ولم يرو مالك عن أحد من ذريته إلا عن جعفر، وكذلك الأحاديث التي في الصحاح والسنن والمساند منها قليل عن ولده، وجمهور ما فيها عن غيرهم). انتهى


(4) قال في كتابه (منهاج السنة، ج7، ص519):
(ولم يروَ عن علي إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثاً مسندة يصح منها نحو خمسين حديثاً).



ثالثاً: ابن قيِّم الجوزية (ت: 751 هـ)

قال في كتابه (أعلام الموقعين عن رب العالمين، ج1، ص42، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع - السعودية) متحدثاً عن شكوى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قلَّة حملة العلم عنه وإعراض القومِ عنه:
(وكان - رضي الله عنه - يشكو عدم حملة العلم الذي أودعه كما قال: إن ههنا علماً لو أصبت له حملة).


رابعاً: الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني (ت: 1386 هـ)

قال في كتابه (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، ج1، ص677، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع - السعودية):
(وكان بنو فاطمة في عصر تأسيس المذاهب مضطهدين مروعين لا يكاد أحد يتصل بهم إلا وهو خائف على نفسه فلم يتمكنوا من نشر علمهم كما ينبغي).


خامساً: الدكتور ناصر القفاري (مُعاصر)

نقل كلام ابن حزم موافقاً له وبانياً عليه استدلالاً له في كتابه (أصول مذهب الشيعة عرض ونقد، ج1، ص401، الناشر: دار الرضا للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 1431 هـ / 2010م) : 
(وقد قال بعض أهل العلم إنه لم يروَ عن علي إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثاً مسندة يصح منها نحو خمسين حديثاً. فهل سنة الرسول هي هذه فقط؟!)


ويبقى السؤالُ المُحَيِّرُ مطروحاً:

بعد كل هذه الأدلَّة الواضِحة، كيف يحِقُّ أن يدَّعِي هؤلاء اتِّبَاعَ أهل البيت (عليهم السلام) وهم لم يقتربوا منهم ليأخذوا عنهم العلمَ والحديث والفقه والتفسير، بل قابلوهم بالهُجران والإعراض؟!!
















........................