وإن الذى ننتهى إلیه أن هناک أمورا ثلاثة، تحققت منها اثنتان، والثالثة موضع نظر
:
الأولى: أن أبا طالب حامى على الإسلام، بالدفاع عن النبى صلى الله تعالى علیه وسلم، وبالدفاع عن المسلمین، وما قاله من المدح لدعوة النبى صلى الله علیه وسلم والثناء علیها، وما أظهره له ولأصحابه من المودة والمحبة والشفقة فى أشعاره، وما تضمنه کلامه من العیب والتنقیص لمن خالف وکذبه بتلک العبارات الفصیحة البلیغة الهاشمیة المطلبیة التى لا تدانى ولا تسامى، ولا یمکن عربیا مقاربتها ولا معارضتها، وهو فى ذلک کله یعلم أن رسول الله صلى الله تعالى علیه وسلم صادق راشد.
الثانیة: ثبت أنه عندما حضرته الوفاة کان یزکى مطالب النبى صلى الله تعالى علیه وسلم، وأنه ما عرف عنه بعد الدعوة المحمدیة أن زکى الأوثان قط، ولا فضل تقدیسهم عن دعوة النبى صلى الله تعالى علیه وسلم وأنه تحمل الأذى مع النبى صلى الله تعالى علیه وسلم
ویضاف إلى ذلک هذه المحبة الظاهرة، والشفقة الواضحة التى کانت للنبى صلى الله تعالى علیه وسلم
الثالثة: النطق بکلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فقد جاءت روایة بأنه نطق بها، وقالها، وهذه رویت عن العباس، وتطاول بعضهم على مقامه، فقال إنه قالها قبل أن یسلم، وکأن القائل یرمى العباس بالکذب، قبل الإسلام، ومعاذ الله أن یکذب العباس بن عبد المطلب، ولو قبل إسلامه، لأنه من ذؤابة قریش وأشرافهم، والعربى لا یکذب، وانظر إلى ما رواه البخارى عن محادثة هرقل ملک الروم مع أبى سفیان، فقد صدقه القول عن النبى علیه الصلاة والسلام وبینهما عداوة قال: «لولا أنى أخشى أن تحفظ عنى کذبة فى العرب لکذبت» فهل یعد العباس أقل من أبى سفیان شرفا وهمة؟ کلا إنه القرشى الهاشمى، وعم النبى علیه الصلاة والسلام قبل الإسلام وبعده.
أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد (المتوفى 1394 هـ)، خاتم النبیین صلى الله علیه وآله وسلم (القسم الأول: العهد المکی)، ص533 و534، طبع على نفقة الشیخ خلیفة بن حمد آل ثانی أمیر دولة قطر
وإننا ننتهى من هذا العرض الذى تحرینا فیه صدق التلخیص أن أبا طالب لم یکن مکذبا للنبى صلى الله تعالى علیه وسلم، ولم یکن مقاوما معاندا، فهل کان من المسلمین؟
أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد (المتوفى 1394 هـ)، خاتم النبیین صلى الله علیه وآله وسلم (القسم الأول: العهد المکی)، ص534، طبع على نفقة الشیخ خلیفة بن حمد آل ثانی أمیر دولة قطر
وأقول أن علم أبى طالب قد صحبه ما یدل على التصدیق والإذعان، فهو علم مقترن بالیقین والإذعان، کما دلت عباراته، وکما دافع عن الإسلام، فإذا کان ثمة نقص بالنسبة لأبى طالب. فهو أنه لم ینطق بموجب التصدیق والاذعان، وإنى لذلک أقول أنه لا یمکن أن یکون مشرکا قط
أولا: لأنه استنکر أقوال قریش وأید دعوة التوحید
وثانیا: لأنه دافع عن التوحید وأهله، وتلقى الأذى کما تلقى المؤمنون الصادقون.
وثالثا: لأنه صرح بأن محمدا صلى الله تعالى علیه وسلم صادق راشد
وإن وجد من یتردد فى إدخاله فى زمرة المسلمین، ولو کانوا ضعافا، فإننا لا نتردد فى إخراجه من زمرة المشرکین، وإذا کان قد نسب إلیه، أنه قال وهو فى سکرات الموت: على ملة عبد المطلب استجابة لأحد الأشیاخ من قریش، فإنا لا نحسب أن هذه الکلمة تعارض کل ما کان منه من دفاع عن الإسلام، وتصریحات کثیرة له بأن دعوة محمد علیه الصلاة والسلام صادقة راشدة قالها وهو صحیح معافى.
.
.
.
ونحن نقول فیما استنبطنا، إنه لیس بمشرک قط، لأن المشرک من یعبد الأصنام، ویشرکها مع الله تعالی، وأفعاله وأقواله، ومواقفه تدل على أنه یرى عبادة الأصنام أمرا باطلا، ولذلک أمیل إلى أن أستغفر له، إن کنت من أهل هذا المقام، وأرى أنه لیس بکافر أصلا
أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد (المتوفى 1394 هـ)، خاتم النبیین صلى الله علیه وآله وسلم (القسم الأول: العهد المکی)، ص534 و 535، طبع على نفقة الشیخ خلیفة بن حمد آل ثانی أمیر دولة قطر
....................