أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 11 أبريل 2020

وثيقة // قصة ابن أصدق مع السيدة الزهراء عليها السلام.

حدّثنی أبی قال:

خرج إلینا یوما، أبو الحسن الکاتب، فقال: أتعرفون ببغداد رجلا یقال له: ابن أصدق؟

قال: فلم یعرفه من أهل المجلس غیری، فقلت: نعم، فکیف سألت عنه؟

فقال: أی شیء یعمل؟

قلت: ینوح على الحسین علیه السلام.

قال: فبکى أبو الحسن، وقال: إنّ عندی عجوزا ربّتنی من أهل کرخ جدّان عفطیة اللسان، الأغلب على لسانها النبطیة، لا یمکنها أن تقیم کلمة عربیّة صحیحة، فضلا عن أن تروی شعرا، وهی من صالحات نساء المسلمین، کثیرة الصیام والتهجّد.

وإنّها انتبهت البارحة فی جوف اللیل، ومرقدها قریب من موضعی، فصاحت بی: یا أبا الحسن.

فقلت: ما لک؟

فقالت: الحقنی.

فجئتها، فوجدتها ترعد، فقلت: ما أصابک؟

فقالت: إنّی کنت قد صلّیت وردی فنمت، فرأیت الساعة فی منامی، کأنّی فی درب من دروب الکرخ، فإذا بحجرة نظیفة بیضاء، ملیحة الساج، مفتوحة الباب، ونساء وقوف علیها.

فقلت لهم: من مات؟ وما الخبر؟ فأومأوا إلى داخل الدار.

فدخلت، فإذا بحجرة لطیفة، فی نهایة الحسن، وفی صحنها امرأة شابّة لم أر قط أحسن منها، ولا أبهى ولا أجمل، وعلیها ثیاب حسنة بیاض مرویّ لیّن، وهی ملتحفة فوقها بإزار أبیض جدّا، وفی حجرها رأس رجل یشخب دما.

فقلت: من أنت؟

فقالت: لا علیک، أنا فاطمة بنت رسول الله، صلى الله علیه، وهذا رأس ابنی الحسین، علیه السلام، قولی لابن أصدق عنّی أن ینوح:

لم أمرّضه فأسلو ... لا ولا کان مریضا

فانتبهت فزعة.

قال: وقالت العجوز: لم أمرّطه، بالطاء، لأنّها لا تتمکّن من إقامة الضاد، فسکّنت منها إلى أن نامت.

ثم قال لی: یا أبا القاسم مع معرفتک الرجل، قد حمّلتک الأمانة، ولزمتک، إلى أن تبلّغها له.

فقلت: سمعا وطاعة، لأمر سیدة نساء العالمین.

قال: وکان هذا فی شعبان، والناس إذ ذاک یلقون جهدا جهیدا من الحنابلة، إذا أرادوا الخروج إلى الحائر.

فلم أزل أتلطّف، حتى خرجت، فکنت فی الحائر، لیلة النصف من شعبان.

فسألت عن ابن أصدق، حتى رأیته.

فقلت له: إنّ فاطمة علیها السلام، تأمرک بأن تنوح بالقصیدة [التی فیها] :

لم امرّضه فأسلو ... لا ولا کان مریضا

وما کنت أعرف القصیدة قبل ذلک.

قال: فانزعج من ذلک، فقصصت علیه، وعلى من حضر، الحدیث، فأجهشوا بالبکاء، وما ناح تلک اللیلة إلّا بهذه القصیدة، وأوّلها:

أیّها العینان فیضا ... واستهلّا لا تغیضا

وهی لبعض الشعراء الکوفیّین.

وعدت إلى أبی الحسن، فأخبرته بما جرى.

التنوخی البصری، ابوعلی المحسن بن علی بن محمد بن أبی الفهم (المتوفى 384هـ)، نشوار المحاضرة وأخبار المذاکرة، ج2، ص230-232، تحقیق: عبود الشالجی، الناشر: دار صادر.







...................